الأحد، 3 مارس 2013

هل لدينا وعي تاريخي



عبدالواحد الفقيهي
كيف نجعل من الوعي التاريخي طريقا للحداثة؟؟؟
إن الإنسان تاريخي بطبعه رغم أن وعيه بالتاريخ لم يتحقق إلا مؤخرا. وعندما تحقق وعي الإنسان هذا بتاريخيته شرع في نفيها من خلال كتابتها والكتابة عنها. نحن نمحو الزمان عندما نكتب عنه

فواضح أن التاريخ مفهوم أو رؤية تشكلت لدينا انطلاقا مما وصلنا عن الماضي ـ بالرواية والوثائق. نحن نعيش التاريخ في وعينا بالضرورة ـ مثلما نعيش المستقبل. وسبب ذلك أن التاريخ بقدر ما هو امتدادات هو كذلك اسشرافات..
أن يكون لدينا وعي تاريخي معناه أن نتعامل مع الماضي بمنطق التجاوز الكيفي الذي يتحقق من خلال التراكم المتحقق في الوعي والممارسة. هذا التجاوز هو الذي يمكننا من الانتقال من "كائنات تراثية" إلى "كائنات لها تراث".
غياب الوعي التاريخي هو الذي يجعل أفرادا وجماعات ـ اليوم ـ مندمجة ومنغمسة في تراث الماضي حتى أخمصها. التراث يحتويها دون أن تتمكن من احتوائه وتمثله كموضوع مستقل نسبيا عن الذات.
عندما يغيب الوعي التاريخي تحضر الأسطورة. والأسطورة لا تهتم ـ كما نعرف ـ بتوالي الأحداث. بل تسعى الكشف عن الثابت وراء المتغير العابر، والسعي للإمساك به. يتمثل هذا السعي في مجتمعاتنا العربية من خلال الاتجاهات التي "تحلم" باستعادة النموذج الأصلي السابق، كي يصبح هو الحاضر. وهو وهم يؤدي إلى بروز أوهام أخرى، وبالتالي يؤدي إلى التضحية بالذات والحاضر والخيال والإبداع، من أجل ارتباط جامد بالسلف والماضي والأب والذاكرة…إلخ.
يعلمنا التحليل النفسي أن الذات المهددة والمنكوبة عادة ما تلجأ إلى آلية دفاعية هي النكوص إلى الوراء، للاحتماء بنموذج الأب، وسلطة الذاكرة،..إلخ. عندما تصاب الذات الجماعية بنكسة أو جرح في كيانها الحاضر، عندما تفتقد هذه الذات وسائل مواجهة الخصم/الاآخر…ترتد نحو ماضيها، نحو الأولين ارتداد المهزوم المجبر على الاستنجاد.
غياب الوعي التاريخي هو العائق الأكبر أمام مشروع الحداثة.والحداثة مستويات، فيها النفسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والتقني والديني…إلخ. ولذلك يجوز القول بأن غياب الوعي التاريخي عائق كذلك أمام الحداثة الدينية نفسها. لا يمكن أن يتحقق الانخراط العقلاني في مشروع الحداثة ما لم نحل هذه المعادلة: هل النموذج الإنساني يوجد أمامنا أم خلفنا? هل التقدم يقتضي استعادة أشباح الماضي وشرح أقوالهم والحفاظ على ما كان أم أن التقدم يتحقق بإبداع ما لم يكن؟؟؟؟
الحداثة موقف روحي. هي إيمان بصيرورة الواقع ونسبية الحقيقة وإبداع التاريخ…إلخ. هي مظاهر و معالم يتردد الكثيرون في قبولها ويتخوفون من النتائج المترتبة عنها. هي معالم لا تقبلها مؤسسات المجتمع الذي مازال يعيش وضعا ملتبسا وهجينا يجعله يترنح بين قيم ومسلكيات تقليدية تلقي بظلالها فقط، وبين قيم حديثة لم تترسخ بعد. هذا الترنح الاجتماعي ….هذا التوتر النفسي الذي يعيشه الإنسان العربي يتجسد في سلوك المثقفين أنفسهم؛ في ترددهم، وفي انسياقهم وراء الاجترار، وفي عشقهم للذاكرة والتلفيق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق