)......)عزيزتي صوفي :
))إن للناس كل أنواع الاهتمامات فبعضهم يجمع القطع
القديمة أو الطوابع وبعضهم يهتم بالأعمال اليدوية أو إصلاح أشياء قديمة ،
بينما
يكرس آخرون كل أوقات فراغهم لهذه الرياضة أو تلك ...الخ .
الفلاسفة
يؤكدون أن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده .لا شك أن كل الناس يحتاجون الطعام وهم
يحتاجون أيضا إلى الحب والحنان ،لكن هناك شيء آخر نحتاجه كلنا :
هو أن نعرف
من نحن . ولماذا نعيش ؟
إن أفضل وسيلة
لمقاربة الفلسفة هي طرح عدة أسئلة فلسفية :
كيف خلق الكون
؟ هل وراء كل ما يحدث إرادة أم حس ؟ هل
توجد حياة أخرى بعد الموت ؟ ودون أن ننسى
هذا كله .كيف يجب أن نعيش ؟
ــ إن الميزة الوحيدة اللازمة لتصبح فيلسوفا هي أن تندهش.
ـــ ومع أن
الأسئلة الفلسفية، تخص كل البشر، إلا أنهم لا يصبحون كلهم فلاسفة، لأن أكثر الناس
ولأسباب مختلفة مشغولون بحياتهم اليومية إلى حد لا يترك لهم وقتا ليندهشوا أمام
الحياة.
ـــ أما بالنسبة للأطفال فإن العالم –وكل ما فيه –هو
شيء جديد جذريا، يصيبهم عميقا بالدهشة وليس ذلك هو الحال مع جميع البالغين ،إذ أن أكثرهم
لا يجد ون في العالم شيئا من الغرابة.
ـــ هنا ،يشكل الفلاسفة استثناءا مشرفا، فالفيلسوف
هو إنسان لم يستطع يوما أن يتعود على العالم، والعالم يظل، بالنسبة له شيئا غير
قابل للتفسير، شيئا غريبا ... لغزا.
وهكذا يمتلك الفلاسفة والأطفال صفة كبيرة مشتركة.. يمكننا القول إن الفلاسفة يحافظون طوال حياتهم على
جلد رقيق ،كجلد الأطفال . ))
هذا مقطع متصرف فيه من رواية حول تاريخ الفلسفة '' عالم صوفي ''
لجوستاين غاردر
الدهشة ـ étonnement ـــــــ باليونانية Thaumazein تعني عامة الحالة التي يكون فيها العقل في قلق / ودهشة وتعجب كحالة مفاجئة ناتجة عن حدوث شيء أو
حدث غير عادي وغير متوقع ...إنها اضطراب معرفي يتولد عن مفارقة المألوف والمفاجأ
..مما يدفع إلى نوع من التفسير ...
2 ـ شرعية تدريس الفلسفة للأطفال
(…..) نعتقد أن الدعوة إلى
تدريس الفلسفة للأطفال يجب أن تكون مؤسسة
ومبررة بما يكفي ...ولا أقصد هنا التأسيس الإيديولوجي الذي يجعل من تدريس الفلسفة
أو من الفلسفة نفسها معبرا لمقاصد لا علاقة لها بالفلسفة نفسها ...بل نتوخى تأسيسا
علميا ...يستمد قوته من دراسات علم النفس حول الذكاء الإنساني ... ـوفي هذا الإطار
نعتبر أن كل إنسان يولد وهو يحمل تشكيلة فطرية متباينة ومتضافرة من الذكاءات
المتعددة التي تحتاج إلى تنمية مستدامة ...
والفرضية العامة التي
ننطلق منها وندافع عنها وتحتاج منا إلى مزيد من الاجتهاد (أن المسالك والشعب
والمجزوءات والمواد الدراسية وأنشطة الحياة المدرسية يجب أن تستند في وضعها
وتصميمها وتنفيذها وتقويمها على منظومة الذكاءات المتعددة التي نتميز بها ككائنات إنسانية)
ـوعليه إذا كنا نعتبر أن تدريس العلوم والرياضيات يستند على
شرعية وجود الذكاء المنطقي الرياضي
ـ وإذا كان تدريس اللغات
والآداب والشعر والقصة والرواية يستند على شرعية وجود الذكاء اللغوي
ـ وإذا كان تدريس
التربية البدنية والمسرح وتنظيم الرحلات والخرجات يستند على شرعية الذكاء الجسمي
الحركي
ــ وإذا كان ...
ــ سنقول أيضا ...بأن
تدريس الفلسفة بالنسبة للطفل يستند على شرعية وجود ذكاء خاص ومتميز لديه هو الذكاء
الوجودي الذي يتميز به الفلاسفة في أرقى مظاهره ...
يتحدد الذكاء الوجودي في قدرة الإنسان على طرح ومحاولة الإجابة على الأسئلة
الكبرى المتعلقة بالوجود الموضوعي الخارجي والذاتي الإنساني والمعنى العميق للحياة
الشخصية والعامة، من قبيل: لماذا نحيا؟ ولماذا نموت؟ لماذا نحب؟ ولماذا هناك شر؟
كما يتحدد في السعي إلى معرفة المعنى والقيمة اللتين يضفيهما كائن متعال (الله)
على حياة الإنسان؟. ويتجلى الذكاء الوجودي في أرقى مظاهره لدى المفكر والفيلسوف. ومن
أهم مظاهر الذكاء الوجودي التي يمارسها الإنسان طفلا وراشدا ...مظهر
الدهشة
3 ــــ أركيولوجية
الدهشة:
من بين العوامل الأساسية في تطور الذكاء الوجودي حب الاستطلاع الناتج عن
الدهشة كسلوك يوجد لدى العديد من الحيوانات؛ لكنه سلوك يظل مرتبطا بدافع الحفاظ على البقاء لدى
الحيوانات الدنيا، ويستقل نسبيا عن هذا الدافع
لدى العديد من الثدييات العليا، ومنها الرئيسيات؛
هكذا توفر الإنسان على نوع من الذكاء جعله يقوم برد فعل لمواجهة ما هو غير
طبيعي وغير قابل للتفسير، وهو رد الفعل الذي تطور ليتخذ سلوكا دينيا عمليا يؤمن
اندماج الإنسان في عالم يتجاوزه ويتفاوض معه جسميا وميتافيزيقيا.هذه الدهشة
الناتجة عن غرابة الوجود أنتجت بدورها ظواهر تسمح لنا بتحديد خصائص لها:
إنها دهشة الافتتان أمام العجيب
إنها دهشة الاطمئنان الرافع للقلق:
ــــ إنها دهشة الميتافزيقا البدائية:
إنها دهشة الخيال والطقوس
إنها دهشة منتجة لأنساق رمزية :
4 ــــــ الدهشة
الفلسفة
في الفلسفة ...للدهشة منطقها ...
ـــ هي دهشة للتساؤل:كقلق معرفي يدفع العقل
إلى الاستفهام ...المدهش هنا يعبر عن فعل استشكالي عقلي واستفسار تساؤلي ممتد ... وترتكز
بالخصوص على سؤال (اللماذا)
ــ هي أيضا دهشة للتجاوز
: من حيث أنها تمكن الفيلسوف من الوعي بالخصاص المعرفي الذاتي ومن تجاوزه في نفس
الوقت. فهي تنطوي على إقرار بالجهل كما يقول ياسبرز ... الفيلسوف يعيش تنافرا بين حيرة العقل وغياب المعرفة ... لقد اعتبر
أرسطو أن ( الدهشة هي التي دفعت بالمفكرين الأول كما هو الأمر اليوم، إلى النظر
الفلسفي. (....................)
ــ هي دهشة مسافرة ... لا تستقر ...لأنها
تسكن في حركتها بين الغرابة واليومي: هي دهشة مثلما يمكن ان
تحدث أمام غرابة الظواهر تحدث أيضا أمام الظواهر الاعتيادية التي تقدم نفسها في
لبوس البداهة ...دهشة تحول اليومي غريبا ...وتجعل من الغرابة بداهة ...هي سفر في
الاتجاهين ...
ـــ هي دهشة الاستبطان: تتطلب عودة على الذات ......»
هي أيضا دهشة التحرر .... من عادة العادة ودكتاتورية النمط ....(...)
هي أيضا دهشة التحرر .... من عادة العادة ودكتاتورية النمط ....(...)
..................................
دهشة الفيلسوف هذه تشكل مظهرا معقدا ومتميزا من مظاهر
الذكاء الوجودي عند الإنسان ...هذا الذكاء بقدر ما تطور تاريخيا وأفرز أنساقا
رمزية كالأسطورة ....ثم الفلسفة ....فهو يخضع لتطور معين خلال نمو الفرد ...ومن
هنا يجوز لنا الحديث عن سيكولوجية الدهشة لدى الطفل ...
5 ـ في
سيكولوجية الدهشة
من علامات الدهشة الطفولية طرح الأسئلة العميقة حول وجود العالم
ومصير الإنسان ومحاولة تفسير ما يحيط به من الظواهر التي تثير الدهشة لديه، فمن
الممكن الوقوف على العلامات الأولى لهذه القدرة في إدرك وانتباه وتفسير الطفل
لعناصر مجاله الإدراكي باعتباره المجال الأول الذي يمثل الوجود بالنسبة إليه.
في الأسابيع الأولى من النمو نلاحظ ظاهرة انتباه
الرضيع للأشياء المرفوعة أمام ناظريه، والتي تجعله يتوقف عن البكاء أو يلتفت نحوها،
....
ويمكن تتبع مراحل نمو
هذه القدرة الاستكشافية من مستواها الحركي البسيط إلى مستوى أكثرا عمقا وتعقيدا.
ومع السنة الثالثةـ يتساءل ويطرح على
المحيطين به سلسلة من الأسئلة تدور في غالبيتها حول "لماذا" الوجود
والإله، والموت والحياة، وظواهر الطبيعة، والجنس والعلاقة بين الوالدين ...سعيا
إلى إيجاد نوع من التناسق في عالم مضطرب ، وتشهد الوقائع اليومية على وجود فوارق فردية بين
الأطفال في القدرة على التساؤل حول ماهيات وعلل وغايات الأشياء؛ ذلك أن الأطفال
الذين يتوفرون على درجة عالية من هذه القدرة لا يملون من طرح أسئلة إلى درجة قد
تزعج الكبار أحيانا، ويظهرون جديتهم في اهتمامهم بالإجابات التي تقدم لهم، ويبنون
على أساسها أسئلة أخرى.
(,,,,,) إن بلوغ الطفل مرحلة المراهقة
سيفرض عليه انتماء إلى عالم ذهني جديد، وسيمكنه من طرح أسئلة أو مساءلة قضايا لا
تخلو من قيمة وعمق وجوديين، وبكيفية أكثر تجريدا وعقلنة؛ وكأنه يتجاوز بساطة
الفلسفة الساذجة في طفولته إلى فلسفة"معقلنة"
المبادئ والمسلمات والأعراف السائدة على
محك الشك والنقد .....
لكن ما الذي يحدث ...خلال سن التمدرس وبعد فترة المراهقة ....
إن
كل طفل هو طفل في الحياة ... لكنه متعلم داخل المؤسسة التعليمية ...ومن المفترض أن يكون دور المدرسة هو تنمية
ذكاءات المتعلم في أشكالها المتعددة ...منها الذكاء الوجودي ....من خلال تدريس
الفلسفة ...
لكن
يبدو أن النسق الذي يخضع له نظام التربية والتكوين والتعليم في أغلب المجتمعات
يدخل المتعلم داخل قوالب تربك وتزعج منظومة ذكاءاته ...هكذا يمكن أن نميز في مسار
تعليم الفرد بين ثلاث مستويات متدرجة ...كل مستوى يقطع مع المستوى السابق: المتعلم
الحدسي ـ المتعلم التقليدي ــ الخبير المؤهل(جاردنر):
● يشير
المتعلم الحدسي (أو الطبيعي أو الكوني) إلى طفل السنوات الست أو السبع الأولى
الذي يتمكن من فهم واستعمال أنظمة رمزية، وبناء نظريات وتفسيرات عملية حول الذهن
والمادة والحياة والذات والآخرين. كل ذلك يظهر خلال إنجازات يمكن وصفها بإنجازات
الفهم "الساذج". وبحكم مرحلته النمائية الأولية يرى جاردنر أن
المتعلم الحدسي يخضع لضغوط ومتطلبات
عصبية بيولوجية ونمائية (النضج وإيقاع النمو) تعود إلى انتمائه
إلى النوع وإلى مبادئ النمو الإنساني. في هذا المستوى يكون الطفل حاملا لكل
الاستعدادات والقدرات التي تثير فيه الدهشة والسؤال العفويين بدون أية قيود
مؤسساتية ....
● أما المتعلم
التقليدي (أو المدرسي) فيشير إلى الطفل بين السبع سنوات والعشرين سنة تقريبا،
والذي يسعى إلى الإلمام بالثقافة والمفاهيم والمعارف المدرسية. في هذه المرحلة
يشيد المتعلم نمطا من الفهم للعالم يتجلى من خلال إنجازات نمطية طقوسية متعارف
عليها. لكن الملاحظ أن هذا المتعلم ـ كيفما كانت قدرته على الإنجاز ـ بمجرد
خروجه من سياق الفصل الدراسي وتواجده في وسطه اليومي يتصرف بنفس الطريقة التي
يتصرف بها أطفال السنوات الأولى. وهذا يبين أنه يخضع لمتطلبات وضغوط تاريخية
ومؤسساتية ترتسم داخل السياق المدرسي. هذا يبين أن المؤسسة التعليمية مارست
ضغوطها كي يتخلى الطفل عن دهشته الساذجة ....لكنه مازال يمارسها في الأوساط
الخارجية التي لا تخضع لأي ضوابط أو ضغوط مؤسساتية.
ـ أما الخبير في مجاله أو المؤهل في تخصصه، فهو المتمكن من
المفاهيم والكفايات المتعلقة بتخصص أو مجال معين، والقادر على تطبيق معرفته على
وضعيات جديدة. إن إنجازاته تعكس فهما من النمط التنظيمي المتخصص. ولكي
يتمكن ويحيط الخبير بمجال تخصصه عليه أن يبذل جهدا ويعمل لسنوات عديدة، وبنوع من
المثابرة والانضباط غالبا؛ إذ لا يمكن الإلمام بمجال ما أو فهمه دون أن يكون المرء
مهيأ للدخول في عالمه الخاص، ودون أن يقبل إكراهات تنظيمية ومعرفية تصبح مع
مرور السنوات إجرائية ومألوفة.
تكمن
الأهمية البيداغوجية لهذا التمييز بين صور للمتعلمين وفق سماتهم العامة في كونها
تمكن الفاعلين التربويين من وضع المناهج وتسطير الأهداف واختيار طرق التدريس
والتقويم حسب خصوصية كل فئة عمرية. كما تكمن أهميته السيكولوجية في رصد مظاهر نمو
الذكاءات لدى الفرد.
إذا
كان الذكاء الوجودي ــ ككل ذكاء ــ يتجلى
بكيفيات عديدة وفي مستويات نمائية مختلفة، فمن الضروري إذن تكييف التدخلات
البيداغوجية وفق هذه الكيفيات والمستويات؛ ذلك أن ما يلائم طرق واستراتيجيات
التعلم في مرحلة الطفولة ـ التي تقتضي بالضرورة توفير بيئة تعلمية غنية بالوسائل
والمواد الديداكتيكية ـ قد لا يلائم المتعلم في سنوات المراهقة والرشد كمراحل
تتطلب بالخصوص التمكن من الأنساق الرمزية. ومن هنا لا يمكننا الحديث عن متعلم واحد،
بل عن صور من المتعلمين تطابق بدرجة معينة المراحل أو المستويات النمائية الثلاثة.
ما
معنى ذلك ...؟؟؟
معناه
أن مسار النمو النفسي للفرد ...وتحول وتراكم الضغوط الثقافية والمؤسساتية عاملان
يساهمان في تقليص حدة وقوة الذكاء الوجودي لدى الفرد ...وبالتالي تقليص كم وحجم
الدهشة وتغيير كيفها واتجاهها خاصة في الثقافات التي ترتفع فيها صرامة المعتقد ودكتاتورية
العادة ...لذلك لا غرابة في أن تكون الطفولة التي تظل كامنة في لاشعور الفرد شرطا
في انبثاق شرارة الإبداع عند الشاعر وفي انبثاق لحظات الدهشة لدى الفيلسوف .... لكنها
دهشة لن تعود كما كانت في طفولتها ...ولعل هذا ما يفسر رأي سارتر
« Il est beaucoup plus facile pour un philosophe d'expliquer un
nouveau concept à
un
autre philosophe qu'à
un enfant. Pourquoi ?Parce que l'enfant pose les vraies questions.
»
هكذا يصبح الطفل أعمق دهشة وأجرأ سؤالا
...مقارنة مع الفيلسوف ...لأن الفيلسوف مهما حافظ على دهشة الطفولة ...فإنه أصبح
خبيرا وفق ضغوط وإكراهات المؤسسة ولم يعد متعلما حدسيا ...أي لم يعد ذلك الطفل
الذي كانه ....
ــ الفيلسوف كخبير راشد تخلص في حدود
معينة من الآراء المسبقة والبديهيات القبلية ... التي زرعها ورسخها المجتمع
والعادة في برنامجه العقلي... يضع المسبقات بين قوسين ...يسافر في الفكر وعبر
الفكر لبناء خبرة مغايرة ...لكنه مع ذلك لن يصل إلى جرأة شك ودهشة الطفل ..(( الحكمة
الأولى في الأخلاق المؤقتة عند ديكارت تنص «تقوم حكمتي الأولى على أن أخضع لقوانين
بلادي، وعاداتها، محتفظاً بالديانة التي أنعم الله عليّ بأن تربيت فيها منذ
طفولتي. وأن أتمسك في الأمور الأخرى، بأكثر الآراء اعتدالاً، واقلها إفراطاً، مما اتفق
على الأخذ به في ميدان العمل. أعقل الذين كان عليّ أن أعيش معهم...))
ـــ أما الطفل كمتعلم حدسي طبيعي كوني ...كفيلسوف عفوي ،،الطفل الذي لم يتمكن من فهم واستعمال الأنظمة
الرمزية السائدة ولا من معانقة الأخلاق المؤقتة .... هذا الطفل متحرر أصلا من المسبقات والأحكام القبلية ...مازال لم يفقد بعد حدسه
الفينومينولوجي العفوي في مواجهته للمعيش ...دون وساطة المنهج أو صرامة العقل
الجمعي داخله ..
في نقطة ما يلتقي الطفل
والفيلسوف ...يلتقيان على حقل زئبقي مؤقت: في اللحظة التي يعلن فيها الطفل تحفظه الحدسي غير المبرر واحتجاجه الضمني أو
الصريح على نسق العادات والمسبقات الثقافية قبل أن يتلبس الأقنعة الثقافية ويتقمص دور
المتعلم المدرسي الخاضع لضوابط المؤسسة ...قد يلتقي في يوم ما بالفيلسوف الذي كان
يسكنه صغيرا ...وقد لا يكون ذلك اللقاء.
استشراف
ألا يمكن البحث عن لقاء
آخر ...ملتقى آخر لتقاطع دائم بين الطفل والفيلسوف ...
أكيد أن ما يجمع بين الطفل والفيلسوف ليس فقط عنصر الدهشة ...
دعونا نفكر ...ونترك
السؤال معلقا؟؟؟
أكيد أن الكثير منكم زار المدينة الفاضلة ـ جمهورية أفلاطون . وقتا
ما ...وعرف نظامها ومهامها والمشرفين على تسييرها . وقد علمتم خلال زيارتكم لها
أنها جمهورية يجب أن يحكمها فلاسفة، أو يجب أن يتحول الحكام فيها إلى فلاسفة.
وأكيد أيضا أن البعض منكم قرأ أو وصله خبر سياسي يوناني قديم حول نفي أهل مدينة أفسس Ephesusبآسيا الصغرى على عهد اليونان لأحد أفضل مواطنيها (هرمودورس ) ...مما دفع بفيلسوف المدينة
هيراقليطس كي يعلن (أنه على كل حكام وكبار الرجال من أهالي أفسس أن يشنقوا أنفسهم ويتركوا حكم المدينة للأطفال ).
الجمهورية ..أو المدينة ...إما أن يحكمها الفلاسفة حسب أفلاطون
...أو الأطفال حسب هيراقليطس.
قد يبدو بعض العبث في كل جهد يسعى الجمع بين ما لا يمكن جمعه
وتوحيده ...الحكم السياسي والرجل الفيلسوف والطفل الساذج ...
إذا كانت الدهشة هي التي مكنتنا من إبراز العلاقة بين الطفل والفيلسوف
على المستوى المعرفي ...النظري ...فكيف يمكن التفكير في نشاز هذه العلاقة بين الطفل والفيلسوف ...على
المستوى السياسي ...
نترك السؤال معلقا ...للتفكير الجماعي فيه ...وتداوله في مناسبة
أخرى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . موضوع جدا راقي وحيوي في مفهوم جديد حديث بطرحه قديم بمعنى وممتدد مع حصر الفلاسفة . حياكم الله . دكتور هل استطيع الحصول من لدنكم على نظريات الذكاء الوجودي
ردحذف